سألني صاحبٌ لي ذات صباح :
“هل يرتاح ..
من لا يمتلك أية ذاكرة ..؟!!”
فسرعان ما أجبت بـ “نعم” والذكريات المؤلمة يطرح بعضها بعضاً أمام عينيّ ..
ذكريات لم تنفك أن عصفت بقلبي المرهق .. الذي ما زال يعالج ألماً وجرحاً لم ينتشِ بعد فضلاً عن أن يبرأ ..
لم تمرّ إلا تلك الصور السوداء التي تمنيت أن أموت ألف مرة قبل أن تحدث ..
كلهن يتباهين أيهنّ أشدّ فتكا .. سواءً أكان لي يدٌ فيها أم لا ..
ما زلت أتألم لبعضها حتى الساعة ..
وسأستمر أتألم لبعذها الآخر إلى أن أموت .. أو أفقد ذاكرتي لا سمح الله ..
ولكن !
توقفني سؤالٌ جثم على كل تلك الذكريات ..
“هل فعلاً أحبُّ أن لا ذاكرة لديّ ؟”
ماذا ؟
لا ذاكرة !
أيعني هذا أن أنسى كل تلك اللحظات السعيدة والهانئة في حياتي ؟
أيعني هذا أن أنسى تماماً أبي الحنون -رحمه الله- وكل دروسه العظيمة وكل ضحكاته ومزحاته وعباراته .. وكل شيء عنه !
هل سأخرج وأقود ذات سيارته وأنا لا املك أيّ فكرة عن ذكرياتٍ في مقعد تلك السيارة !
هل سأنسى أنه كان يركبني لأدرك صلاة الفجر في المسجد ! هل سأنسى أنه لم يكن يوقضني من غفواتي الخفيفة سوى صوت منه حزام الأمان الذي لم يربط !
أيعني هذا أن أنسى كل ما حدث لي في بيتنا ..
مع والدتي الرؤوم -أمدّ الله في عمرها على طاعته- ومواقفها وعباراتها التي لا تنسى !
هل سأنسى جهدها وتعبها لأجلنا .. وتحملها الكثير والكثير ..
هل ستذهب ذكرياتي مع إخوتي وأخواتي سدى !
كل ضحكاتنا وحديثنا وكل كل شيء !
أيعني هذا أن أنسى صحبي المقربين إلى قلبي !
هل سأخرج إلى ذات المقهى .. وأشرب ذات القهوة .. وأنا لا أتذكر يومَ أن كنا نضحك بأعلى صوتنا .. نتجادل .. نتخاصم ربما ..
هل سأمرّ على ذات الأماكن التي إعتدنا المكوث لديها وأنا لا أعرفها جيّداً !
هل سيلفح نسيم البحر الرطب الجميل وجهي وأنا لا أتذكر صاحبٌ خلف القفار أقرب إليّ من الكثيرين .. !
وهل سأقلّد صوتاً غليظاً وربما آخرُ رقيقاً ولا أضحك إثر ذلك لأني -ببساطة- لا أتذكر مالذي يعنيه ذلك لي ؟
أيعني هذا أن أنسى كل من عرفته في حياتي !
كل أولئك البشر الرائعون .. الذين مازلت أتشرف بمعرفتهم ولقياهم بين الحين والآخر !
هل سيمرّ عليّ يوم الإثنين كأي يومٍ من أيام الأسبوع لا أحاول أن أتذكر هل هو اليوم الموعود أم لا !
وهل سأداوم الدخول إلى ذلك المنتدى الذي تعرفت فيه عليهم وعلى الكثير من الرائعين أيضاً وأنا لا أتذكر حتّى كلمة المرور !
لا !
لالالالالالا
حتماً أريد ذاكرتي !
بحلوها ومرها ..
بجميلها وفضيعها ..
بأُنسها ووجعها ..
بـ أُنسها ووجعها ،،